• ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المعرفة والوعي

د. غنيمة حبيب كرم

المعرفة والوعي

يتطلب التعامل مع قضايا ومشكلات الأمن الاجتماعي بقدر كبير من الوعي لدى الأفراد والمؤسّسات، فغالباً ما يرتبط سلوك الإنسان في مجتمعه بمستوى الوعي لديه، الذي بدوره يتشكّل من مجموعة المعارف والتجارب والخبرات التي حاز عليها في حياته مهما كانت مدّتها، وقد تختلف درجة ارتباط السلوك بالمعرفة والخبرات بين فرد وآخر، حيث من الممكن أن لا يعكس سلوك الفرد الاجتماعي مستوى الوعي المعرفي لديه نتيجة ظروف محيطة به، وربّما يكون المجتمع وقوانينه المتنوّعة من أهم تلك الظروف التي تفرض نفسها على سلوك الفرد وتصرُّفاته، بغض النظر عن رِضاه عن تلك التصرُّفات.

ويُقاس الوعي لدى الفرد من خلال الارتباط بين المعرفة والخبرات من جهة وبين السلوك والتصرُّفات من جهة أُخرى، إذ لا يمكن في بعض الأحيان الإشارة إلى المعرفة والخبرات الاجتماعية بأنّها الوعي الحقيقي لدى الإنسان، لأنّ الوعي المكتمل من شأنه أن يحدث توافقاً كلّياً بين الإنسان وسلوكه وتصرُّفاته، ولذلك يمكننا أن نصنف الوعي لدرجات متفاوتة، وهي: الوعي المعرفي المجرّد، وغالباً ما يكون لدى أغلب أفراد المجتمع لكنّه لا ينعكس على سلوكهم ولا يتحدّثون به سوى على نطاق ضيِّق مع الآخرين سواء في الديوانيات أو المقاهي، والوعي المعرفي الناقل وهو ما يتمتع به الخطباء ورجال الدِّين والصحافيين وأصحاب المنابر بشكل عام، أمّا الوعي المعرفي المؤثِّر الذي يرتقي لدرجة التأثير بالسلوك ويمثِّل أعلى درجات الوعي ويمكن أن نطلق عليه الوعي المكتمل، وهو يتطلب سلطة غالباً ما تكون مكتسبة من المعرفة والتجارب والظروف التي يمر فيها الإنسان، أو تكون نتيجة تواجد الفرد في مكانة اجتماعية تسمح له بالتأثير كأولياء الأُمور على مستوى الأُسرة، أو كبير القبيلة وغيرها.

ورغم ذلك فإنّ الانتقال من درجة إلى درجة أعلى من الوعي أمر وارد الحدوث خاصّة في المسائل والقضايا الاجتماعية التي لا تتطلب تلك السلطة الكبيرة، حيث يمكن للأشخاص العاديين أن يتحولوا ليأخذوا دور الصحافي أو الخطيب أو حتى رجال الدِّين، ولعلّ ما نراه اليوم من تفاعلات ورسائل محفّزة في وسائل التواصل يشكّل مثالاً واضحاً على ذلك، كما من الممكن لأصحاب المنابر أن يقوموا بالخروج على بعض التقاليد أو الأعراف غير آبهين بما قد يطالهم من نقد ومواجهة وتأنيب.

حيث إنّ الوعي المكتمل بشكل عام هو حصيلة مجموعة من التجارب التي يعيشها الإنسان والتي تفاعلت مع معرفته ليُحدث تغيراً في التعامل مع جوانب الحياة وقضاياها المتنوّعة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية أوغيرها، وهذا ما سنتطرق له بإسهاب في المقال القادم.

ارسال التعليق

Top